تاريخ منظمة التحرير الفلسطينية

خلفية تاريخية 1948 - 1964

يكمن جوهر المشكلة الفلسطينية في قضية شعب، ومصير وطن؛ قضية الغزو التدريجي، والاستيلاء المستمر على بلاد بأسْرها بالقوة العسكرية؛ قضية احتلال مضى في غطرسته قاضياً على المجتمع الفلسطيني الآهل بأبنائه، من العرب المسلمين والمسيحيين؛ ومستبدلاً به مجتمعاً من اليهود المنقولين في كيان سياسي أجنبي غريب، سلب أكثرية السكان الأصليين ممتلكاتهم، وشرد المتبقين منهم وأخضعهم لاستعمار استيطاني.
وفقد الشعب الفلسطيني إثر حرب 1948، واقعه المجتمعي؛ بسبب تشتته الجغرافي. وفقد انتماءه العملي إلى وطنه وقيمه المجتمعية. وفقد هويته الحضارية والقومية، فأصبح عاجزاً عن التعبير عنها. كما فقد صفة المواطنة وحقوقها وواجباتها؛ إذ أمسى بلا جنسية ولا دولة.
• فقْد الأراضي الفلسطينية هويتها التاريخية:
لم تحتفظ الأجزاء التي احتلتها إسرائيل بمدلول التسمية الفلسطينية. وأصبح قطاع غزة تابعاً لسلطة الحاكم العسكري المصري، ثم للحاكم الإداري المصري. وأصبحت الضفة الغربية جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية.
• التبعثر الجغرافي للشعب الفلسطيني:
لجأ الفلسطينيون إلى الأقطار العربية المختلفة، بل إلى العالم كله، حيث تنازعتهم التيارات الفكرية المتباينة وافتقدوا الوحدة التنظيمية، والمؤسسات السياسية القادرة على التنظيم والقيادة، والتي كان يمْكنها أن تمثِّل إرادتهم السياسية المستقلة والموحدة. واضطر مليون فلسطيني إلى التبعثر في فلسطين وحولها، حيث بقي 156 ألفاً في الأراضي المحتلة، واستقر 360 ألفاً بالضفة الغربية، و200 ألف بقطاع غزة، ولجأ 82 ألفاً إلى سورية، 104 آلاف إلى لبنان، و110 آلاف إلى شرق الأردن، وتفرق 12 ألفاً في باقي الأقطار العربية، وبعض البلدان الأجنبية.
• تحوّل قضية فلسطين:
تحولت القضية من قضية شعب اغتصب وطنه، وله حقوقه التاريخية والقومية إلى قضية لاجئين، المطلوب إغاثتهم لتأمين استمرار حياتهم، وإيجاد العمل والمأوى لهم. وسعت إسرائيل إلى إدماجهم في المجتمعات العربية المجاورة لها؛ لطمس هويتهم، والعمل على توطينهم بها؛ وذلك، من خلال الدعوة إلى مشروعات اقترحها الرئيس الأمريكي آيزنهاور للتنمية الاقتصادية للشرق الأوسط؛ بقصد توطين اللاجئين الفلسطينيين.
وحافظت مصر على الهوية الفلسطينية. وأصدرت وثائق سفر للفلسطينيين. ولم تسعَ إلى ضم قطاع غزة، ولا إلى تمثيل الشعب الفلسطيني. وحمل الفلسطينيون في إسرائيل هويتها. ومنحت سورية اللاجئين إليها كثيراً من حقوق المواطنة. أمّا الأردن، فقد ضم إليه الضفة الغربية، بل جهد في أن يكون هو نفسه ممثلاً للفلسطينيين. وتميزت السنوات الأولى التالية لحرب فلسطين بخمود مؤقت لنضال الفلسطينيين؛ واستقراء جديد لِقيمهم السياسية والأيديولوجية، وإمعانهم في فهْم أسباب الكارثة الوطنية وحجمها.
اندمج الفلسطينيون الأغنى والأكثر تعلماً في اقتصاديات البلاد التي يقيمون بها، وفي حياتها السياسية، وخاصة في الأردن ولبنان وسورية والعراق والمملكة العربية السعودية والكويت ومصر وليبيا. فلم يكوِّنوا حياة اقتصادية خاصة ومتميزة ومستقلة في مجتمعاتهم الجديدة؛ لافتقادهم الحركة الوطنية، والبرنامج الفلسطيني الخاص، والهوية الفلسطينية بخاصة، مستعيضين منها نفسياً ومادياً بالهوية العربية القومية.
• "الهيئة العربية العليا لفلسطين":
لم يحمل الفلسطينيون إلى الشتات مؤسساتهم السياسية، من أحزاب ومنظمات، كانت قائمة في عهد الانتداب البريطاني. ولم تشهد الأعوام التي أعقبت عام 1948 أنشطة ملحوظة، باستثناء حرص الهيئة العربية العليا على بعض الصلات بأبناء الشعب الفلسطيني، وبعض العلاقات بعدد من الدول العربية والإسلامية. أنشأ هذه الهيئة مجلس جامعة الدول العربية إبّان اجتماع ملوك الدول العربية ورؤسائها في أنشاص في مصر، في 27 و 28/ مايو 1946، والذي قرروا فيه التمسك باستقلال فلسطين وصيانة عروبتها، ووجوب تأليف هيئة تمثِّل الفلسطينيين وتنطق باسمهم، ووكلوا تنفيذه إلى مجلس الجامعة. وفاوضت الجامعة العربية فيه ممثلي الأحزاب والمنظمات الفلسطينية بهذا الشأن، واتُّفق على تكوين "الهيئة العربية العليا لفلسطين" في 11/ يونيو 1946، برئاسة مفتي فلسطين الحاج محمد أمين الحسيني، الذي تولى قيادتها من مكتب رئيسي في القاهرة؛ لصدور قرار عن الحكومة البريطانية، يمنعه من دخول فلسطين، وأنشئ مكتب للهيئة في القدس، ومكاتب أخرى في دمشق وبيروت وبغداد ولندن وباريس ونيويورك، واعترفت بها جميع الأحزاب والهيئات الفلسطينية والدول العربية. وأُنشئت عدة لجان ودوائر للهيئة، منها دائرة للدعاية والنشر.
• "حكومة عموم فلسطين":
سرعان ما غرق العرب في خلافاتهم التي استشرت في 16/ سبتمبر 1948، حينما أعلن تقرير الكونت برنادوت، أنهم لم يُبدوا أي رغبة في إنشاء حكومة في القسم العربي من فلسطين، لذلك، فإن ضمّه إلى شرق الأردن قابل للتنفيذ. عندئذٍ نشطت الهيئة العربية العليا، وهب الحاج أمين الحسيني يتدبر الأمر، وبادر جمال الحسيني إلى جولة في البلاد العربية، ومنها الأردن؛ للحصول على موافقة حكوماتها على إنشاء حكومة فلسطينية. واجتمعت اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية، وأقرت إنشاء تلك الحكومة، وحددت يوم 23/ سبتمبر 1948 موعداً لإعلان اسم رئيسها وأسماء أعضائها، ولمباشرة أعمالها.
استاءت الحكومة الأردنية. وسارع الملك عبد الله إلى إجراء اتصالات سريعة بالملوك والرؤساء العرب، معترضاً على إنشاء الحكومة الفلسطينية. ورفع حزب الدفاع ومعارضو الحاج أمين الحسيني اعتراضهم عليها إلى جامعة الدول العربية. وهدد الملك الأردني بالانسحاب من الجامعة إنْ أنشئت هذه الحكومة؛ لأنها عمل غير سليم، يحقق رغبات بعض الدول العربية. وعلى الرغم من إيفاد الجامعة العربية السيد رياض الصلح إلى عمّان، لإقناعه، فإنها اضطرت إلى تعديل قرارها؛ إذ ارتأت إنشاء حكومة فلسطينية، وقصرته على أهالي فلسطين أنفسهم، وحصرت مهمة الدول العربية في الاعتراف بتلك الحكومة ودعمها مادياً وأدبياً ومعنوياً.
وفي اليوم المحدد 23/ سبتمبر 1948، أعلنت الهيئة العربية العليا إنشاء "حكومة عموم فلسطين"، ومركزها في مدينة غزة مؤقتاً. برئاسة أحمد حلمي عبد الباقي، وعضوية كلٍّ من: جمال الحسيني، ورجائي الحسيني، وعوني عبد الهادي، والدكتور حسين فخري الخالدي، وعلي حسنا، وميشيل أبيكاريويس، ويوسف صهيون، وأمين عقل.
وتألف مجلس وطني (برلمان)، من رؤساء البلديات، والمجالس المحلية والقروية، ورؤساء اللجان القومية، والأحزاب، والغرف التجارية، والهيئات الشعبية، والنقابات، وعدد من الزعماء المحليين. وعقد أول اجتماعاته في غزة في الأول من أكتوبر 1948، حيث أعلن استقلال فلسطين بحدودها الدولية كدولة ديمقراطية ذات سيادة، وأقر دستوراً من 18مادة، ومنح للحكومة الفلسطينية ثقته. وعُقد مؤتمر في اليوم نفسه في عمّان، برئاسة الشيخ سليمان التاجي الفاروقي، أحد معارضي المفتي الحاج أمين الحسيني؛ الذي قرر عدم الموافقة على "حكومة عموم فلسطين"، وأبرق بمعارضتها إلى جامعة الدول العربية. ثم أقر أن الملك عبد الله بن الحسين هو الممثل لشعب فلسطين.
وشغل رئيس الحكومة أحمد حلمي حتى وفاته عام 1963، مقعد مراقب في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية، ممثلاً لفلسطين وفق ترتيب خاص وضعته الجامعة. كما بقي للهيئة ممثل يحضر اجتماعات اللجنة السياسية للجمعية العامة للأمم المتحدة، بوصفه ممثلاً للاجئين الفلسطينيين؛ حين تناقش اللجنة تقرير المفوض العام لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم. إلا أن الحماس الذي أبدته الدول العربية تجاه "حكومة عموم فلسطين"، أخذ يتلاشى تدريجياً، فامتنعت الجامعة العربية فيما بعد، عن دعوة الحكومة لحضور اجتماعات مجلس الجامعة، كما امتنعت الحكومة المصرية عن السماح لهذه الحكومة بممارسة أنشطتها في قطاع غزة.
• إعلان الوحدة بين الضفة الغربية والأردن:
وفي الثاني من أكتوبر 1948، اتخذ الملك عبد الله  وحكومته قراراً غير معلن، يضم بموجبه القسم الذي كان خارج الاحتلال الصهيوني الخاضع لسيطرة القوات الأردنية والعراقية، إلى مملكته؛ لتشمل: القدس القديمة، وحي الشيخ جراح في القدس الجديدة، والمناطق الواقعة شرق السور من القدس، وتضم: مستشفى فكتوريا، ومستشفى هداسا، والجامعة العبرية، وبيت لحم والخليل، وبيت جالا، وبيت ساحور، وأريحا، ورام الله، ومطار القدس، وبيت حنينا، وبير زيت، ونابلس، وجنين، وطولكرم، ويعبد، وطوباس، وقلقيلية، وما يتبعها من القرى التي لم تقع تحت الاحتلال الإسرائيلي. وكذلك قرى: عارة، وعرعرة، وكفر قرع، وهي من مناطق حيفا. وكان لا بدّ للملك عبد الله من تأمين حماية هذه المناطق من مملكته، وهو لا يملك جيشاً يكفي لحمايتها بعد أن أصبح للإسرائيليين دولة، ويملكون قوة هائلة من مختلف أنواع الأسلحة وجيشاً كبيراً لا طاقة لجيشه عليه. فاتصل بالحكومة البريطانية، وأبلغها رغبته، وقراره، وطالبها بالموافقة على شمول المعاهدة الأردنية - البريطانية، التي تلزم بريطانيا بالدفاع عن الأردن في حالة وقوع خطر عليه. لكن البريطانيين، أجابوه بأن هذا الأمرلا يتفق مع القوانين الدولية؛ فضلاً عن أن قرار هيئة الأمم المتحدة القاضي بتقسيم فلسطين، لم ينص صراحة، على ضم القسم العربي من فلسطين إلى الأردن. وإذ ا ما أريد أن تشمله المعاهدة البريطانية، فيجب أن يسبق ذلك قرار صادر عن أهالي فلسطين، وبرغبتهم يطالبون فيه، ويقررون ضم منطقتهم إلى الأردن؛ لأنهم هم أصحاب البلاد.
• مؤتمر أريحا:
في الأول من ديسمبر 1948، وتحت إشراف الحاكم العسكري الأردني العام، عمر باشا مطر، عقد مؤتمر شعبي في فندق "نزال"، برئاسة الشيخ محمد علي الجعبري، رئيس بلدية الخليل. وانتخب عيسى البندك من زعماء بيت لحم، سكرتيراً للمؤتمر. وأشرفت عليه لجنة تحضيرية، انبثقت من مؤتمر شعبي مماثل، سبق أن عقد في سينما البتراء في عمّان، في الأول من أكتوبر 1948، حضره نحو مائتَي شخص من وجهاء فلسطين، اتخذوا موقف المعارضة وحاولوا التأجيل؛ إلا أن الشيخ محمد علي الجعبري الذي كان قد أحضر معه من الخليل أكثر من مائتَي شخص مسلح من جماعته، منعوهم من الاعتراض. وقاطع المؤتمر معظم زعماء المجلسَين وعدد من كبار زعماء المعارضة.
واتخذ المؤتمر قراراً يقضي بوحدة الضفة الغربية والضفة الشرقية (الأردن)، تحت ظل العرش الهاشمي. وعرّض الشيخ الجعبري في خطابه بالدول العربية؛ إذ قال: نحن لا يمثلنا إلا الملك عبد الله. ونعلن مبايعتنا له، ونستنكر إقامة حكومة عموم فلسطين في غزة؛ وهي لا تمثلنا. وتشكل وفد من المؤتمرين برئاسة الشيخ محمد علي الجعبري، توجه إلى عمّان، حيث قدم قرارات المؤتمر إلى الملك عبد الله. وأرسل نسخاً منها إلى جامعة الدول العربية.
وقال الملك عبد الله للوفد: "لقد حمّلتموني حملاً ثقيلاً. وإنني سأبذل جهدي في سبيل أداء هذه الأمانة". ثم أصدر مجلس الوزراء الأردني برئاسة توفيق أبو الهدى، بلاغاً، جاء فيه: "إن الحكومة الأردنية تقدر حق التقدير رغبة سكان فلسطين المحتلة، في مؤتمر أريحا، فيما يتعلق بوحدة البلدَين الشقيقَين: شرق الأردن وفلسطين. وهي رغبة متفقة تماماً مع رغبات الحكومة الأردنية. وستبادر إلى اتخاذ الإجراءات الدستورية لتحقيقها".
ثارت ثائرة الهيئة العربية العليا، وكلِّ من مصر وسورية. وصدرت بيانات مناوئة للمؤتمر والمؤتمرين، وللملك عبد الله وحكومته. وقال عبد الرحمن عزام باشا، أمين عام جامعة الدول العربية، إن المؤتمرين في أريحا لا يمثلون حتى أنفسهم؛ لأنهم دمى، حركهم الملك عبد الله. وإن عملهم هذا، ما هو إلا للمزيد من الفرقة بين الأشقاء العرب ولخدمة العدو. وأصدرت هيئة العلماء في الجامع الأزهر، في القاهرة، بياناً (فتوى)، فحواه: "أن المؤتمرين في أريحا خرقوا العهد. وهم لا يمثلون الأمة. ونددت الجرائد والإذاعات العربية بالأردن ملكاً وحكومة، وبالجعبري ورفاقه في أريحا.
عندئذٍ، حاولت الحكومة العراقية إقناع الملك عبد الله بتأجيل إعلان وحدة الضفتَين؛ ولكنه تمسك برأيه. وعاد ليطالب الحكومة البريطانية بتطبيق المعاهدة البريطانية ـ الأردنية على الضفة الغربية؛ لحمايتها. إلا أن الحكومة البريطانية، قالت: إن مؤتمر أريحا، لم يشترك فيه ممثلو الشعب الفلسطيني كلهم؛ وهو لا يمثل إلا جماعة الجعبري. ولذلك، فهو ليس كافياً لوحدة الضفتَين، وشمولهما بتلك الاتفاقية وبالتالي تطبيق المعاهدة.
• مؤتمر رام الله:
في 26/ ديسمبر 1948، وبدعوة من الحاكم العسكري الأردني عمر باشا مطر، عقد مؤتمر رام الله في قاعة سينما دنيا. وحضره الملك عبد الله، وفلاح المدادحة وزير الداخلية الأردني، وعبد الله التل قائد منطقة القدس العسكرية، وعدد من وجهاء المنطقة وأهاليها. وقرر المؤتمرون ضرورة قيام الوحدة بين فلسطين والأردن.
• مؤتمر نابلس:
بادر سليمان طوقان رئيس بلدية نابلس (وهو من كبار زعماء المعارضة وحزب الدفاع، ومن المقربين إلى الملك عبد الله) إلى جولة في منطقتَي جنين وطولكرم، حيث زار عدداً من زعمائهما. وقال: إن مؤتمر أريحا لا يمثلنا. ونحن، أبناء لواء نابلس جبل النار، يجب أن نكون كما كنا دائماً في الطليعة. لذلك، علينا أن نعقد مؤتمراً في نابلس؛ لنتدارس الموقف الخطير بصورة عامة، ونقرر ما يجب علينا فعله.
وفي 28/ ديسيمبر 1948 عقد مؤتمر في المنشية في نابلس، دعا إليه سليمان طوقان وسكرتارية أحمد طوقان، ولجنة من حكمت المصري وآخرين. وحضره الحاكم العسكري العراقي، وعدد من كبار الضباط العراقيين، وعدد كبير من منطقة المثلث. وألقى قائد المناضلين في جنين نجيب الأحمد كلمة طالب فيها الدول العربية بفتح المعارك مع العدو، في كل الجبهات؛ للتخفيف عن الجيش المصري الذي يحارب في الجنوب وحده؛ فقامت مظاهرة في نابلس، وإضراب جزئي، في جنين ونابلس، احتجاجاً على المؤتمر، وألقيت بقربه قنبلة صوتية. وأخيراً، اتخذ المؤتمر قراره القاضي بالطلب من الدول العربية نجدة الجيش المصري، بفتح النار، في كل الجبهات، ومواصلة القتال حتى تحرير كلِّ فلسطين، وقيام وحدة بين فلسطين كلها وشرق الأردن؛ ليشكلا بلداً واحداً، يكون الملك عبد الله بن الحسين ملكاً عليه.
وبادر وفد، مؤلف من: سليمان طوقان، وأحمد طوقان، وعادل الشكعة، وحكمت المصري، وحمدي كنعان، وهاشم الجيوسي، إلى زيارة عمّان، حيث قدموا القرارات إلى الملك الأردني، الذي رحب بهم، وقال: سيتم كلُّ شئ كما تريدون ـ بإذن الله ـ واجتمع مجلس الأمة الأردني، واتخذ قراراً، يوافق على قرارات مؤتمرَي أريحا ونابلس. وكان الأردن يعترض على كل اجتماع للجامعة العربية، يحضره مندوب عن "حكومة عموم فلسطين". وطالبت مصر بطرد الأردن من الجامعة العربية.  واتخذ مجلس الجامعة العربية القرار التالي:
أ‌. تأكيداً للقرار الذي اتخذته اللجنة السياسية بإجماع الأعضاء في 12/ أبريل 1948، الذي ينص على دخول الجيوش العربية لفلسطين لإنقاذها، يجب أن ينظر إليه كتدبير مؤقت، خال من كلِّ صفة من صفات الاحتلال أو التجزئة لفلسطين؛ وأنه بعد إتمام تحريرها، تسلم إلى أصحابها، ليحكموها بأنفسهم، وكما يريدون.
ب‌. اعتبار هذا القرار نافذاً، ومعبراً عن السياسة الحالية للدول العربية في هذا الشأن.
ت‌. إذا أخلّت أية دولة من الدول العربية بهذا القرار، تعتبر ناقضة لتعهدها ولأحكام ميثاق جامعة الدول العربية؛ وذلك وفقاً للفقرة الأولى من المادة الثانية من الميثاق، والملحق الخاص بفلسطين.
ث‌. عند وقوع هذا الإخلال، تدعى اللجنة السياسية للاجتماع، واتخاذ ما يلزم من إجراء، وفقاً لأحكام الميثاق.
• الحركة الوطنية الفلسطينية، في الخمسينيات:
كانت هزيمة العرب عام 1948، وقيام إسرائيل، بداية تحوّل عميق في الوعي العربي. وأصبحت كارثة 1948، هي المحرك للشعور القومي العربي الحديث. ومن أبرز مميزات الوعي العربي الحديث عدم استسلامه للهزيمة، فهو يعبر عن رفضه لها، بطرح آمال وأهداف في مستوى حجم الكارثة. فالوعي العربي، كان يدرك، أن سبب الكارثة ليس قوة إسرائيل، بل ضعف العرب، الذي يرجع إلى فساد الأوضاع الداخلية في الأقطار العربية المساهمة في الحرب.
وكان لهزيمة 1948 أثرها في الدول العربية طوال الخمسينيات؛ فشهدت سورية سلسلة من الانقلابات العسكرية، وشهدت مصر قيام الجيش بثورة 23/ يوليو 1952، وانتهى الوضع في العراق إلى قيام ثورة 14/ يوليو 1958. وشهد الوطنيون الفلسطينيون في العقد نفسه، نشاطاً في إطار الحركة السياسية العربية، التي نشأت بعد النكبة؛ وتنازعهم اتجاهان: العمل لتحرير أرضهم، معبئين كلّ طاقاتهم في هذا السبيل؛ أو العمل ضمن الحركة الوطنية العربية لتحرير المنطقة العربية، على أساس أن الطريق إلى فلسطين يمر عبر التحرر العربي من الاستعمار، وبناء أنظمة قوية قادرة.
وكان رد الفعل اِلفلسطيني الأول، عقب حرب 1948، مقاومة أيّ نوع من التقارب بين العرب وإسرائيل، قد يسفر عن تسوية غير عادلة للقضية الفلسطينية؛ ومقاومة محاولات توطين اللاجئين. وتصدت لهاتَين المهمتَين جماعات عدة، من أبرزها "هيئة مقاومة الصلح مع إسرائيل"، التي كانت تصدر نشرة باسم "الثأر"، راجت رواجاً واسعاً في أوساط الفلسطينيين في المخيمات حتى عام 1954؛ لأنها كانت تكشف المحاولات السرية للتسوية مع إسرائيل. ولم تلبث هذه الجماعة، أن تحولت من هيئة فلسطينية إلى حركة عربية، باسم "الشباب القومي العربي"؛ وأصبحت تعرف فيما بعد، باسم "حركة القوميين العرب.
• الفلسطينيون والتنظيمات العربية:
استأثر باهتمام الفلسطينيين أربعة اتجاهات رئيسية، من دون أن يعكس أيٌّ منها مصالح طبقية معينة بينهم؛ لأنها كانت تلقى دعماً من الفئات الاجتماعية كافة.
أ‌. الاتجاهات الإصلاحية في الأردن:
تمثلت في حركة المعارضة لضم الضفة الغربية إلى الأردن. وعبّر عنها عدد من الأحزاب السياسية، عملت في البدء، بشكل سري: حزب البعث العربي الاشتراكي (1949)، حركة القوميين العرب (1952)، الحزب الوطني الاشتراكي (1954). ومع تطورات الأحداث وتصاعدها في الأردن، وإعلان الأحكام العرفية في بداية الخمسينيات، اضطر كثير من الفلسطينيين العاملين في السياسة إلى العمل السري أو الانتقال إلى أماكن أخرى، لمتابعة النضال السياسي .
ب‌. الحركات والأحزاب الوطنية:
انخرط بعض الفلسطينيين في الأحزاب والحركات العربية، واتخذوا منها وسيلة لاستعادة الحق العربي في فلسطين. وكان هناك ثلاث حركات قومية ذات تأثير خاص في الساحة الفلسطينية، تعتنق جميعها فكرة الوحدة العربية والتغيير الاجتماعي، ومعاداة الاستعمار؛ ولكنها تختلف في أُطُرها التنظيمية وأساليبها، وقواعد تأييدها:
1. حزب البعث العربي الاشتراكي:
أنشئ في أوائل الأربعينيات في دمشق. وانتشرت فروعه في سورية ولبنان والأردن والعراق، بعد الحرب العالمية الثانية. وانطوى ميثاقه على عقيدة عربية شاملة، تستبعد كل انتماء إلى وحدات إقليمية أو دينية؛ وتبنّى الحزب الأفكار الاشتراكية. وساعده على الانتشار التوجه نحو الجيل الجديد، والدعوة إلى الوحدة العربية.
ودأب الحزب بين عامَي 1948 و1958، على إصدار بيانات سياسية في شأن القضية الفلسطينية، في مناسباتها المختلفة. وفاز ممثلوه في الانتخابات النيابية في الأردن عام 1956؛ واحتلوا المركز الثالث بعد الوطنيين الاشتراكيين والشيوعيين؛ ومن أبرزهم: الشاعر كمال ناصر؛ وكان زعيماً للحزب، وعبد الله الريماوي؛ الذي تولى وزارة الدولة للشؤون الخارجية. إلا أن إقالة الحكومة عام 1957 وإعلان الأحكام العرفية، وحظر الأحزاب السياسية، قضت على الدور العلني للحزب في الأردن، وإلحاحه على تسليح الفلسطينيين لشن حرب على الاحتلال الإسرائيلي.
ولم يمثل الحزب ظاهرة سياسية في قطاع غزة؛ بينما كان اجتذابه للفلسطينيين في الأردن كثيفاً، وكذلك في سورية ولبنان.
2.  حركة القوميين العرب:
أسسها أعضاء اللجنة التنفيذية لجمعية "العروة الوثقى" من طلبة الجامعة الأمريكية في بيروت، المشاركين في الحلقات الدراسية، التي كان يعقدها أساتذة وعلماء قوميون ووحدويون، أبرزهم قسطنطين زريق، في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات؛ للتعريف بنشوء الحركة القومية وتطورها، وتنمية الوعي بالخطر الصهيوني.
وقامت الحركة في أعقاب حرب 1948، كردّ فعل مباشر لها. وكان العنصر الفلسطيني غالباً في صفوفها وفي قيادتها؛ فشكل الفلسطينيون هيكلها، وصبغوا اهتماماتها بهمومهم الأساسية. وتكوّنت الحلقات السرية لهذه الحركة عام 1951؛ وأُعلنت عام 1952 باسم "هيئة مقاومة الصلح مع إسرائيل"، والتي أصدرت نشرة أسبوعية باسم "الثأر". وصدر عددها الأول في نوفمبر 1952، واستمرت في الصدور حتى أواسط عام 1958. مثلت هذه الهيئة نواة تنظيمية للحركة في صفوف الطلاب. وكان منهم جورج حبش، الذي شغل منصب نائب الرئيس، تم تولّي رئاسة اللجنة التنفيذية لجمعية "العروة الوثقى". وأبدى أعضاء الهيئة اهتماماً بشؤون المخيمات وأوضاع اللاجئين وتقديم خدمات طبية لهم، وتنظيم تبرعات عينية، وتدريب فرق كشفية بين المدارس، والمشاركة في الحملات على مشاريع التوطين ومبدأ التعويضات. واستقطبت هذه الأنشطة عدداً كبيراً من أبناء فلسطين في مخيمات لبنان وسورية والضفة الغربية وغزة.
ولم يلبث جورج حبش أن أسس عام 1958، حركة القوميين العرب في دمشق. وكان شعارها التنظيمي: "وحدة تحرر ثأر". وبعد الخروج من الأردن عام 1957، وبمساعدة غسان كنفاني، استمرت الحركة في إصدار جريدتها الأسبوعية "الرأي"، التي كانت منتشرة في مخيمات اللاجئين.
وتشكلت "لجنة فلسطين"، في حركة القوميين العرب من العناصر الفلسطينية التي درست سُبُل تحرير فلسطين، والمتمثلة في: حرب نظامية، تشترك فيها جامعة الدول العربية، أو حرب يشنها الفلسطينيون أنفسهم، أو حرب تضطلع بها دولة الوحدة المصرية ـ السورية، أو حرب يشنها الفلسطينيون، معتمدين على دولة الوحدة. واعتمدت اللجنة الخيار الرابع، الذي يلقي مسؤولية التحرير على الفلسطينيين بدعم من الجمهورية العربية المتحدة. والتقت اللجنة الرئيس جمال عبد الناصر في دمشق عام 1959، الذي استجاب لمطالبتها بتدريب الفلسطينيين وإعدادهم وتوفير السلاح لهم. واستمر ذلك بالفعل، في دمشق حتى الانفصال في سبتمبر1961.
3. الانتماء الناصري للفلسطينيين:
برزت قيادة جمال عبد الناصر قيادة جماهيرية. وعُدَّت منجزات ثورة 23/ يوليو 1952 خطوة نحو التحرير والوحدة وبناء مجتمع تقدمي. ووجد الفلسطينيون في زعامة عبد الناصر قدرة على العمل من أجل التحرير، خاصة بعد تحقيق الوحدة مع سورية عام 1958. اتّضح هذا الانتماء في الخمسينيات، دونما تكتل أو حزب.
ت‌.  الحزب الشيوعي:
انتقلت "عصبة التحرر الوطني" بعد عام 1948، من حيفا إلى الضفة الغربية. ونظراً إلى حظر النشاط الشيوعي في الأردن، عملت تحت اسم الجبهة الوطنية الأردنية. وشارك أعضاؤها في الانتخابات عامي 1951و1956. إلا أنها تفككت إثر الخلافات في الوطن العربي عام 1958، بين الاتجاهَين: القومي والشيوعي. واستمر الحزب في أنشطته السرية داخل الأردن؛ كما كان له أنشطة في قطاع غزة.
ث‌. الاتجاهات الإسلامية:
تعزز نشاط حركة "الإخوان المسلمين"، في أعقاب حرب 1948، في الضفة الغربية وقطاع غزة، بعد مشاركتها في الحرب. وزادتها ثورة يوليو نشاطاً في عامي 1952 و1953، حينما وكلت إليها مهمة توزيع المعونات في قطاع غزة؛ وهو ما أطلق عليه "قطارات الرحمة". إلا أن الثورة حلت هذه الحركة في مصر عام 1954، ففقد الإخوان قواعدهم في القطاع، ونقلوا مقر التنظيم إلى القدس، وأصدروا جريدة "الجهاد". وشملت الحركة الإسلامية كذلك، حزب التحرير الإسلامي، الذي شارك في تأسيسه منذ مطلع الخمسينيات، الشيخ تقي الدين النبهاني.
وأسفرت حرب السويس عام 1956 وما شهدته من مواجهة مباشرة بين الفلسطينيين في قطاع غزة وقوات الاحتلال الإسرائيلي، عن صدمة للوعي الفلسطيني؛ إذ أدرك أهمية إعادة التنظيم. ولذا، كانت تجربة مقاومة الاحتلال في هذه المواجهة، بصفوف موحدة، من دون النظر إلى الانتماء السياسي ـ عملية انصهار، كان لها آثار بعيدة.
وبدا في أواخر الخمسينيات فشل العمل الفلسطيني داخل الأحزاب العربية؛ لفشلها في العمل الجادّ من أجل فلسطين؛ ما أدى إنشاء تنظيمات فلسطينية، بأسماء تكاد تكون متشابهة، خلت من كلمة حزب، واستبدلت بها لفظة حركة أو جبهة أو منظمة، واختُتمت بكلمة "عودة" أو "تحرير فلسطين". ومنها ما نشأ في ألمانيا الغربية والنمسا وأسبانيا بين الطلاب. وقد اتسمت هذه التنظيمات بالسرية الكاملة؛ فحرصت على التدقيق المتشدد في قبول أعضائها؛ وما ذلك إلا لتعذر عملها العلني الجدي المستقل؛ فآثرت أن تكون بعيدة عن التدخل في الأوضاع الداخلية للدول العربية؛ لكونها ليست نشاطاً حزبياً يناهض أيّاً من الحكومات العربية.
• الحركة الوطنية الفلسطينية في مطلع الستينيات:
جعلت الوحدة بين مصر وسورية عام 1958، إسرائيل بين "فكي كماشة". إلا أن حركة الانفصال، في 28/ سبتمبر 1961، حررتها منهما؛ بل أطاحت شعار: "الوحدة طريق التحرير". وبرزت الخلافات بين الدول العربية في القضية الفلسطينية، ففي ديسمبر 1959، دعا عبد الكريم قاسم إلى إنشاء "جمهورية فلسطين العربية"، في المنطقة الأردنية من فلسطين والضفة. ووصف عبد الناصر هذه الفكرة بأنها "مناورة دنيئة"؛ وأعلن في مارس 1960، إنشاء اتحاد وطني فلسطيني باسم "الاتحاد القومي الفلسطيني".
وأمّا الأردن، فردّ على هذه الدعوة بمنح الجنسية الأردنية لكل العرب الفلسطينيين، الذين يعيشون فيه أو في الخارج؛ وهو ما كان مطبقاً على سكان الضفتَين، من الفلسطينيين دون سواهم. وشهدت المنطقة العربية في مطلع الستينيات، كذلك، انتصار ثورة الجزائر واستقلالها عام 1962؛ وإعلان ثورة اليمن في سبتمبر من العام نفسه؛ وسلسلة من الانقلابات العسكرية في سورية. وانعكس كل هذا على الحياة السياسية الفلسطينية، التي شهدت بدايات حركة جديدة، من أجل إعادة تنظيم شعب فلسطين وبعث كيانها؛ وإيجاد قواعد ومؤسسات تنظيمية جديدة، قدرها غسان كنفاني بنحو أربعين منظمة وجبهة وحركة، راوح عدد أعضائها ما بين عدة مئات وعضوَين فقط وآلة كاتبة. وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات ومعلومات وافية عن هذه التنظيمات، فإن عددها حتى بداية الستينيات، قد تجاوز المائة.
• أبرز التنظيمات الفلسطينية، في مطلع الستينيات:
أ‌. "حركة فتح"
ظهر تيار "حركة فتح" في النصف الثاني من الخمسينيات، على أثر العدوان الثلاثي على مصر، عام 1956، واحتلال إسرائيل قطاع غزة؛ إذ أيقن الفلسطينيون أهمية الاعتماد على أنفسهم في مقاومة إسرائيل. فتأسست خلايا هذا التيار سراً، في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات في سورية ولبنان والأردن ودول الخليج العربي، حيث يعمل الفلسطينيون. وما لبثت هذه الحركة أن أصدرت عام 1959 حتى نوفمبر 1964 مجلة شهرية، باسم "فلسطيننا"، دعت إلى كيان فلسطيني مستقل عن الأنظمة العربية، ورفض الوصاية العربية على الشعب الفلسطيني؛ نافية أن يكون الكيان الخاص شرذمة للعمل العربي؛ مؤكدة أنه تعبئة لشعب فلسطين المشتت.
ب‌. "الاتحاد القومي الفلسطيني":
انبثقت لجنة من اجتماع كمال رفعت في مصر عام 1959، مع وفد فلسطيني رئاسة الحاج أمين الحسيني وعضوية أحمد حلمي؛ رئيس "حكومة عموم فلسطين"، وآخرين من قطاع غزة مهمتها الإعداد لقيام تنظيم فلسطيني يشبه "الاتحاد القومي العربي"، الذي قام في سورية ومصر، خلال الوحدة بين البلدين. وأجريت انتخابات للمرة الأولى منذ عام 1948 للفلسطينيين المشمولين بسلطة الجمهورية العربية المتحدة، في غزة وسورية ومصر. وعرض القائمون على الاتحادات الفلسطينية الثلاثة، على الرئيس عبد الناصر، اندماجها في اتحاد قومي فلسطيني واحد. فرحّب بعرضهم وعقد اجتماع في القاهرة، برئاسة منير الريس؛ رئيس بلدية غزة، لم ينجح؛ لانسحاب الحاج أمين الحسيني، الذي غادر القاهرة إلى بيروت، ثم بغداد؛ لاعتقاده أن هناك نية في إبعاد "الهيئة العربية العليا" التي يتزعمها، عن العمل الفلسطيني. وازداد الوضع تفككاً بعد الانفصال بين مصر وسورية في 28/ سبتمبر 1961؛ إذ انفرط عقد الاتحاد الفلسطيني في سورية، من تلقاء نفسه، بعد غياب السلطة التي كان يستند إليها.
ولم يكن لهذا الاتحاد دور يذكر في الحياة السياسية الفلسطينية، فلم يتعدَّ دوره في سورية أو القطاع، رعاية بعض الشؤون الحياتية اليومية مع السلطات الحكومية، وتقديم بعض الخدمات للمخيمات الفلسطينية. ولم تشهد هيئات الاتحاد في مصر وسورية والقطاع علاقات تنسيقية، ولا مؤتمرات عامة؛ بل لم يكن للتجربة في القطاع، دور سياسي بارز؛ على الرغم من منح عبد الناصر قطاع غزة نظاماً تشريعياً خاصاً في 9/ مارس 1962، يعطيه نوعاً من الاستقلال الداخلي.
ت‌. "فوج التحرير الفلسطيني":
سعى عبد الكريم قاسم في مارس 1960، إلى إنشاء تنظيم فلسطيني عسكري، يضم الفلسطينيين المقيمين بالعراق أو قطاع غزة أو لبنان ودول الخليج، بقيادة عراقية؛ لتنظيم عملية التطوع، وإلحاق الضباط بالمعاهد العسكرية العراقية. ولم تزد مهمات الفوج على المشاركة في الاستعراضات، أثناء زيارات الوفود العربية إلى العراق، والتدريب في معسكر الرشيد في بغداد. ثم ألحق هذا الفوج بالجيش العراقي في أعقاب ثورة عام 1963. وحظي بمباركة "الهيئة العربية العليا" وترويجها، حتى أصبح الفلسطينيون يرون فيه نواة حركة فلسطينية مسلحة، تأخذ دوراً طليعياً في معركة التحرير. بيد أن عدداً كبيراً من رجاله، سرعان ما غادروه؛ منضمين إلى جيش التحرير الفلسطيني.
ث‌. "حركة القوميين العرب" (إقليم فلسطين):
أنشأت الحركة "إقليم فلسطين" عام 1960، بفروعها في الأقاليم الأخرى؛ بل ليقودها كلها. وأبرز تلك الفروع في الأردن ولبنان وسورية والكويت والعراق ومصر.
وعقدت الحركة أول مؤتمر قطري فلسطيني للأعضاء الفلسطينيين في الحركة عام 1962، وحضره مندوبو الفروع المختلفة في إقليم فلسطين، وقرروا في ختام أعمال المؤتمر، استمرار التدريب، والإعداد للعمل المسلح، وتخزين السلاح، والاتصال بالسكان العرب في فلسطين المحتلة. وظلت الحركة حتى عام 1964، متأثرة ببرنامج "الناصرية" السياسي. وشددت على أن النضال لتحرير فلسطين، هو واجب كل الطبقات والفئات الاجتماعية. وبدأت تنمو في أوساط الحركة فكرة فصل بين موضوع تحرير فلسطين، بكونه أمراً عاجلاً، وموضوع الوحدة العربية الذي يحتاج إلى وقت طويل.
ج‌. "حزب البعث العربي الاشتراكي":
شكل الفلسطينيون عاملاً ناشطاً في هذا الحزب. وفي أغسطس 1960، صدر عن مؤتمره القومي الرابع توصية في شأن فلسطين، دعت إلى "تأليف جبهة شعبية تضم كافة التنظيمات الفلسطينية في الأقطار العربية، مستقلة عن الحكومات".
وعقد مؤتمر في بيروت عام 1962، بمبادرة من القيادة القومية للحزب؛ ضم ممثلين عن الفلسطينيين في تنظيماته، بهدف "تمكين عرب فلسطين من إقامة الكيان الفلسطيني". وتطور موقف الحزب من الكيان الفلسطيني، إثر وصوله إلى السلطة في كلٍّ من سورية والعراق عام 1963؛ فأوصى مؤتمره القومي السادس بضرورة "اعتماد عرب فلسطين كأداة أولى في تحرير فلسطين". وأقر تنفيذ فكرة "جبهة تحرير فلسطين". وقدم البعث العراقي مشروعاً إلى الجامعة العربية في سبتمبر 1963؛ لإبراز الكيان الفلسطيني.
وتبنى الفرع الفلسطيني في حزب البعث في بياناته، تعابير ونداءات جديدة، ذات دلالات واضحة تؤكد الخصوصية الفلسطينية، والدور الفلسطيني الكفاحي المتميز، والهوية الفلسطينية.
ح‌. "الاتحاد العام لطلبة فلسطين":
تأسست خلال الخمسينيات، عدة روابط طلابية فلسطينية؛ كان من أهمها تلك التي أنشئت في القاهرة عام 1951، وتولى قيادتها بين عامَي 1952 و1956 طالب في كلية الهندسة في جامعة فؤاد الأول، هو ياسر عرفات. وكان من أبرز القيادات الطلابية معه صلاح خلف (أبو أياد). إضافة إلى رابطة في الإسكندرية، وأخرى في دمشق، ورابطة في بيروت. وأسهمت الحركة الطلابية في هذه المرحلة، في إرساء مفاهيم عمل فلسطينية، وتكوين شخصية متميزة، وهيئات كيانية محدودة، ساعدت على تشكيل النواة الأولى لـ "حركة فتح". وعقد المؤتمر الوطني الأول لروابط الطلاب الفلسطينية، في 29/ نوفمبر 1959 في القاهرة، حيث أعلن المؤتمرون تأسيس "الاتحاد العام لطلبة فلسطين" منظمة طلابية، تسعى إلى ضم جميع الطلبة الفلسطينيين في الوطن العربي؛ فكانت أول مؤسسة كيانيه علنية للشعب الفلسطيني، وأولى المؤسسات الفلسطينية المنبثقة من الانتخاب المباشر. ولم يكن الاتحاد منظمة نقابية فحسب، بل حركة سياسية، نص دستورها التأسيسي على أنها نواة لتنظيم شعبي فلسطيني، يعمل من أجل العودة إلى الوطن السليب، بجميع الوسائل التي تخولها مواد دستور الاتحاد.
وقد اضطلع الاتحاد بدور مهم في تعبئة الطاقات والفعاليات السياسية الفلسطينية، وبذل جهوداً حثيثة في مجال طرح القضية على الصعيد الطلابي والرأي العام العالمي.

ولم تقتصر أهمية الاتحاد على إفرازه عدداً من القادة السياسيين الفلسطينيين، الذين تصدروا الحركة الوطنية الفلسطينية؛ بل تعدَّته إلى أن الاتحاد أصبح أحد مقومات الشخصية الوطنية الفلسطينية، ودعامة من دعامات بنائها.